الأحد، 23 مايو 2010

ابني يكذب .. ماذا أفعل ؟

ابني يكذب .. فما العمل ؟؟

بقلم الدكتور أحمد الجبلي .. نقلا عن شبكة مواقع السند

إن السؤال الذي يتكرر كثيرا أثناء الدورات التدريبية حول التربوية، هو: ابني يكذب..فما العمل؟؟؟؟
إن هذه المشكلة تؤرق الكثير من الآباء والأمهات. وكمعالجة للموضوع، لابد في البداية أن نتحدث عن قاعدة تربوية هي بمثابة البوابة الرئيسة لمعالجة أي سلوك مرفوض عند الطفل سواء كان كذبا أم سرقة أم غير ذلك.
وهذه القاعدة هي قاعدة عزل الفعل عن الفاعل. وهي منطلق أي سلوك تربوي، إذ تحدد لنا في البداية ضرورة الفصل بين الابن الذي نحبه وهو فلذة كبدنا.
وبين الفعل الذي نكرهه ونرفضه وهو الكذب. فبمجرد عملية العزل هاته نتبين أطراف المعركة بوضوح. أي ليس طفلنا هو العدو الذي سنقضي عليه لنرتاح من التعب، أو نضربه ونجعل جسده عبارة عن كدمات وجروح تشفي الغليل وتهدئ الأعصاب. بل عدونا هو الكذب، وبالتالي لنعمل ونختار الوسائل الملائمة للقضاء على هذا العدو الذي يزعجنا ويضيع علينا حسن التعامل مع أطفالنا...

فالآباء عادة ما يلجؤون إلى الضرب لأنه الوسيلة التربوية الوحيدة التي يجيدونها، ولذلك فهم يستعملونه كوسيلة صالحة لمعالجة أي سلوك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالآباء يلجؤون إلى الضرب لأنهم يريدون التخلص من الكذب فورا.. والمشكلة أنهم لم يضربوا الكذب وهم يكرهونه، بل ضربوا فلذة كبدهم وبذلك لن يقضوا على الآفة أبدا. لأنهم في البداية لم يميزوا بين الفعل والفاعل ولم يفصلوا بينهما.
كما أن الآباء عندما يريدون قطع دابر آفة معينة فورا فهم يقعون في خطإ كبير وهو دفع الطفل إلى الإصرار على تمسكه بالآفة ما دام لم يقتنع ولم يجد المبررات الكافية والحوافز التي تجعله يقلع عن هذه الآفة.

لم نعلم، لحد الآن، طبيبا ما، قضى على مرض ما، مباشرة بعد منح قرص علاج لمريضه. فالمرض كي ينمحي أثره يحتاج إلى مدة زمنية كافية من العلاج. وهناك من الأمراض ما يستغرق الشفاء منها أكثر من سنة ونصف من العلاج.
إذن فالكذب كمرض أو كآفة تغضبنا عندما يلجأ إليه أبناؤنا. كي نقضي عليه نحتاج إلى وضع برنامج زمني من مراحل متتالية.

إن أولى هذه المراحل هي معرفة الدافع الحقيقي إلى الكذب. فالدوافع إلى الكذب عند الطفل كثيرة وهي حسب طبيعة الواقع، أحيانا، وطبيعة ردود أفعال الوالدين تجاه تصرفات الطفل، أحيانا أخرى. وتكون، أحيانا، حسب طبيعة المرحلة العمرية التي يمر منها الطفل. وسنركز على بعض الدوافع التي نراها متفشية في مجتمعنا وهي نفسها الدوافع التي تكون من وراء الأسئلة التي يطرحها الآباء أثناء الدورات التدريبية التربوية:
الكذب من أجل معرفة الحقائق المستورة:
هذا النوع من الكذب يعتبر طبيعياً جدا. فالطفل يحاول، غالباً في سنيه المبكرة من العمر، الكذب من أجل اكتشاف الحقائق المستورة. فهو يقتنع بقواعد التربية والعادات المقدمة من الأهل حتى الوقت الذي يبدأ فيه بتحدي أهله والبحث في صحة هذه القواعد. وبهذا يكون قد بدأ الطفل خطوة نحو الاستقلالية والاعتماد على النفس وهذا تطور طبيعي للطفل...
اللجوء إلى الكذب البطولي:
فالأطفال في بعض مراحل عمرهم يلجؤون إلى الحكايات غير الحقيقية ليعبروا بها عن حلمهم بالتفوق والزعامة والبطولة. وقد يطلق الآباء على هذا السلوك الصادر عن أبنائهم بالكذب، والآباء لا يريدون أن يتبجح ابنهم كذبا ببطولات ليست حقيقية. وهم بذلك يخشون عليه من أن يتأصل فيه هذا الأسلوب فيصير كذابا محترفا طيلة حياته. فنحن نقول لمثل هؤلاء الآباء. إن علماء النفس التربوي لا يسمون ذلك كذبا، بل يسمونه عدم التمييز بين الحقيقة والخيال، فدراستهم لهذه المرحلة العمرية من عمر الطفل جعلتهم يدركون بأن الطفل في هذه السن لا يميز بين الحقيقة والخيال. وهي مرحلة تتميز بالخيال الواسع. فالطفل يجعل من نفسه بطلاً خارقاً في حكاية وهمية من صنع خياله، إذن فالموضوع عبارة عن خيال تجاوز الحدود لكي يحقق الطفل الإحساس بالقوة والفخر والظهور بشكل لائق في أعين رفاقه ولفت أنظارهم. ومن أجل كسب مودة الناس لأنه بحاجة إلى صداقات يفتقر إليها.
يعبر هذا الخيال عن مرحلة مؤقتة ويتطلب الأمر من الآباء عدم اتهام الطفل بالكذب وتجاوز الموقف وعدم الوقوف عنده طويلاً.
وهناك دافع آخر يلجأ إليها الأطفال في سن الإدراك والتمييز أي بعد السنة السادسة، وهو رهين بطرق تعامل الآباء مع أطفالهم. وهو:
الكذب الناتج عن الخوف من العقاب:
فالآباء مطالبون بألا يعاقبوا الطفل إذا ذكر الحقيقة حتى ينمو لديه الإحساس بالصدق، ويتشرب قيمته كقيمة اجتماعية تنجي صاحبها ولا تزيده اتهاما وجرما. وأي عقاب يتعرض له الطفل عندما يكون صريحا يخلق نتائج سلبية وهي اللجوء إلى الكذب من أجل النجاة من العقاب.
الكذب كرد فعل ضد الحرمان وعدم الاهتمام من طرف الآخربن.
كما قد يلجأ الطفل إلى الكذب لشعوره بأن الآخرين لا يهتمون به وهو مهمش طول الوقت. فبالكذب يريد الطفل لفت انتباه الآخرين إليه. وسيكون سعيدا عندما تقوم ضجة كبيرة في البيت تناقش بحدة ما صدر عنه من كذب لأنه على الأقل أثبت من خلاله وجوده وأنه صار إنسانا من أجله تدار النقاشات ويتبارز الآباء والإخوة الكبار.
وهذا النوع من الشعور يجعل الطفل يلجأ إلى الكذب من أجل مضايقة الكبار كانتقام والكيد من الصغار الذين يحضون بعناية خاصة لأنه يريد أن يعم الحرمان الجميع. وإما تتم العناية بكل الأطفال.
اللجوء إلى الكذب حبا في إظهار ما ينتظر منهم.
إن كثرة اللوم والصراخ والتوبيخ والغضب الدائم الذي يتلقاه الأبناء من الآباء لعدم رضا الآباء عما يفعله الأبناء، من شأنه أن يؤدي إلى الكذب، وهو كذب خاص ليس كذبا كقيمة سلبية يرفضها المجتمع والذي هو الكذب في كل الحالات وعن سبق الإصرار والترصد. بل هو منفذ وحل يلجأ إليه الطفل إرضاء لوالديه، واستجابة لمطالبهما الكثيرة والتي تفوق الاستجابة الطبيعية لقدرة الطفل.
فالطفل عندما يتلقى التعقيب واللوم والتوبيخ المستمر من الآباء. يشعر بأن لا شيء يرضي هؤلاء الآباء. وأن أي شيء يقوم به إلا ويكون محطة انتقاد وتوبيخ. فالطفل يريد بصدق أن يرضي آباءه وأن يكون مثلما يريدون، وهو يبذل مجهودات كبيرة لألا يقع في أخطاء وألا يرتكب شيئا يثير غضب الآباء. ولكن من موقع أنه طفل وأن قدراتنا تختلف عن قدراته، وكثرة الانتقادات، وشعوره بأنه دائما تحت المراقبة، وتنتظر زلاته لتقرع لها الطبول. إن هذا يتسبب في ارتباكه ارتباكا خطيرا يجعله يفقد ثقته في نفسه ويفقد ثقته في الآخرين بما فيهم الآباء. فاللجوء إلى الكذب هو من باء تقليص اللوم والتوبيخ وهي رسالة لآبائه تقول إنني أحاول وأحاول وأحاول فالمرجو مراعات ما أبذله من جهد..إنكم تشدون علي الخناق، ولا شيء أفعله ينال رضاكم، فمطالبكم كثيرة..إنكم تعاملوني ككبير له قدرة جسدية ونمو عقلي ناضج. وهذا سباحة ضد تيار الطبيعة والتطور والنمو.
أراني أب فاضل رسالة كتبتها له ابنته جعلته يبكي بكاء الندم والحسرة على نهجه لسلوكات لا تربوية دفعت البنت إلى التعبير عن شعورها تجاه كثرة المطالب والضغوطات..وعبرت بأنها تفعل كل ما بالاستطاعة لتكون مثلما يريد وأنها لا تتوانى تفكر في كل أمر ألف مرة قبل الإقدام عليه خشية أن يغضبه، فتتوتر العلاقة من جديد وهي علاقة في توتر دائم. عبرت الطفلة عن صدق حبها لأبيها طالبة منه مساعدتها لتكون كما يريد. لأنها حاولت وكررت المحاولة ولكنها باءت بالفشل فصارت في حيص بيص لا تعرف كيف ترضيه.
بعد قراءتي للرسالة وجهت إليه مجموعة من الأسئلة مثل: هل تخصص وقتا خاصا بها لتستمع لها، هل تشاركها في عملية حوار تهم الأسرة؟ هل تعبر عن حبك لها نطقا وعناقا وتقربا؟ هل تمدح الأعمال الجيدة التي تقوم بها؟ هل تسمح لها باتخاذ قرارات بسيطة مثل اختيار لون الملابس أو لون الحذاء أو مكان الزيارة أو السفر؟ هل سبق وكافأتها عن سلوك جيد بدر منها؟ هل تتوقف عند إيجابياتها بنفس حجم وقوفك عند سلبياتها بالمدح والشكر والتشجيع والتقبيل والعناق؟
للأسف لم يستطع أن يجيب ولو عن سؤال واحد من هذه الأسئلة...
إذن فنسبة كبيرة جدا من سلوكات أبنائنا المرفوضة، والتي تغضبنا، نحن صانعوها ولا دخل لهم فيها.
وحتى لا نلقي بالحبل على الغارم نتقدم بتوجيهات تربوية لعلها تفيد الآباء في تعاطيهم مع سلوكات أبنائهم وحتى يقضوا نهائيا على الكذب من حياة أبنائهم:
عبر لابنك عن حبك ومشاعرك يوميا:
كثير من الناس يخطأ في فهمه للقدوة الحسنة. فالقدوة ليست هي أن تكون أنت تقيا وعالما وورعا.. فكثير من العلماء والأتقياء يتعاطى أبناؤهم للمخدرات والسموم وجزء منهم يملأ السجون. لأن القدوة هي قبل كل شيء شعور بوجود الآخر وحب وتقدير فيصير الأب هو النموذج المثالي الذي يريد الابن أن يكونه. ولهذا لم يستطع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن يولي أحد رجاله ولاية لأنه لم يقبل أبناءه ولو مرة واحدة. أي أن الذي يفشل في أن يسعى إلى ما يجعله قدوة لأبنائه لا يصلح ليكون حاكما قدوة لمن دونه من رعية. وحتى لو كان الرجل يملك من آليات التسيير والحساب والشواهد العليا ما يجعله أهلا للمنصب.
افهم ابنك بمصاحبته والاستماع له:
لا تكن جدارا عاليا يحاول ابنك تسلقه مدى الحياة. بل انزل لمستوى طفلك، واعلم أن له رغبات تختلف عن رغباتك وله وجهة نظر تختلف عن وجهة نظرك وله قدرات تختلف عن قدراتك..علمه الحوار بمحاورته، وعلمه احترام آراء الآخرين باحترام رأيه، دعه يخطئ فنحن الكبار نخطئ كذلك..لكن علمه أن الخطأ هو الطريق نحو الصواب..أي علمه أنه لا توجد أخطاء بل توجد تجارب جديدة.
استمع له الاستماع الكامل والمطلوب..أي لا تقلب صفحات الجريدة وأنت تدعي الانصات له فأنت بهذا السلوك تهينه. بل انظر إليه في عينيه وركز انتباهك ولا تقاطعه..وأشعره أن الوقت وقته، أي لا تقم بحركات كالنظر إلى الساعة فتشعره كعادتك بأنك دائما مشغول، وأن هناك أشياء مهمة تنتظرك فيعلم أنه لا قيمة له عندك..
جاء رجل إلى ستيفن كوفي، صاحب كتاب" السمات السبع للأسر الأكثر أهمية في العالم" فقال له: إنني لا أفهم ابني لأن ابني لا يستمع إلي. فقال له ستيفن: أعد ما قلته من فضلك: فأعاد الرجل: إنني لا أفهم ابني لأن ابني لا يستمع إلي. فقال ستيفن من جديد: دعني أعيد ما قلت: أنت لا تفهم ابنك لأن ابنك لا يستمع إليك. قال الرجل: هو ذاك. فرد ستيفن كوفي قائلا: إذا أردت أن تفهم شخصا ما فعليك أن تستمع إليه أنت.
إذن إذا أردت أن تفهم ابنك فعليك أن تنصت إليه..وإذا قمت بهذا فإنك لن تضطر ابنك إلى اللجوء إلى آخرين عندما يحتاج إلى من يستمع إليه. فأنت تعلم بأن الآخرين، في غيابك، قد يوجهونه توجهات أخرى حتما ستغضبك وتغضب الله رب العالمين.
الجأ إلى الحوار في معالجة المشاكل ولا تقم بالنصح المباشر:
اجتنب النصح المباشر فإن النفس البشرية، عموما، تتأفف وترفض النصح المباشر لأنه يضع المنصوح في قفص الاتهام وهو لا يريد لنفسه هذا الموقف الضعيف. وكثرة النصح غير مقبولة تربويًا. فقد كان الصحابة يصفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان يتخولهم بالموعظة مخافة السآمة عليهم، ومواعظه صلى الله عليه وسلم كانت قصيرة وقليلة ..
فالمربون الناجحون عادة ما يستبدلون النصح المباشر بعملية الحوار فيحرصون في البداية على الحوارات العامة غير المرتبطة لا بالطفل ولا بسلوكه. والهدف من هذه الحوارات العامة هو كسر الحواجز النفسية وتهيئة الجو للحوار وتقبل النصح والمعلومات.
كما أن لاختيار الوقت المناسب للحوار دورا مهما في العملية التربوية. لأن مبادرة الطفل بالحوار في وقت الغضب والعصبية والبكاء لا يجدي نفعا بل قد يؤدي إلى نتائج سلبية. ولهذا فأوقات الهدوء واستقرار الحالة النفسية هو أفضل وقت لإجراء حوار مثمر وهادف.
إننا في أسرنا، عندما نوفر أجواء الحوار والمعالجات الرصينة للمشاكل، ونقبل آراء المخالف كان زوجة أو ولدا أو بنتا. وعندما نفسح المجال لشخصيات أبنائنا كي تنموا سوية وطبيعية.. إننا حينها فقط نكون قد جنبنا أبناءنا الكثير من أمراض العصر من نفاق وكذب وسرقة.. وكل سلوك نكره أن يتصف به أبناؤنا وفلذات أكبادنا.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

السلام عليكم دكتور أنا عندي أخ صغير ونحن 4 بنات وهو الأخ الصغير في المنزل وكلما ناقشناه في أمر ما يبدأ بالجدال وإثبات أنه الصح وفي بعض الأحيان يغلط والدية فماذا نفعل معه ؟